لم تكن شركة هواوي في وضعية مفاجئة أو متعثرة عندما فرضت الولايات المتحدة الحظر التجاري عليها في عام 2019، وهو ما أضافها إلى القائمة السوداء وأدى إلى حرمانها من الوصول إلى العديد من المنتجات البرمجية والمكونات التقنية التي تعتمد على تقنيات أميركية. من أبرز هذه القيود كان نظام التشغيل أندرويد من جوجل، الذي يُستخدم في هواتفها الذكية، ونظام التشغيل ويندوز من مايكروسوفت، الذي تستخدمه في حواسيبها المحمولة.
ومع ذلك، أثبتت هواوي أنها كانت على استعداد كامل لمواجهة هذا التحدي. ريتشارد يو، مدير قطاع المنتجات الاستهلاكية في هواوي، صرح في أغسطس 2019 خلال مقابلة مع شبكة CNBC بأن الشركة كانت مستعدة تماماً للانتقال إلى نظام تشغيل خاص بها خلال فترة قصيرة جداً قد لا تتجاوز يومين. هذا البيان كشف عن أن الشركة كانت قد بدأت فعلاً في تطوير بدائل للتكنولوجيا الأميركية قبل الحظر، بما في ذلك نظام التشغيل HarmonyOS.
وبالفعل، بعد الحظر، قامت هواوي بتسريع تطوير نظام HarmonyOS الذي يعتمد على نواة برمجية خاصة بها ولا يحتاج إلى أندرويد أو ويندوز. كما استثمرت في تطوير بيئة تطبيقات مستقلة عبر متجر AppGallery الخاص بها، لتكون بديلاً للمتاجر الأميركية مثل Google Play.
هذه الخطوات السريعة تؤكد أن هواوي كانت تمتلك استراتيجية مرنة للتحايل على العقوبات الأميركية والتحول نحو الاستقلالية التكنولوجية، وهو ما مكنها من مواصلة مسيرتها في صناعة الهواتف الذكية والأجهزة الأخرى رغم القيود المفروضة عليها.
نظام HarmonyOS، أو HongmengOS كما يُطلق عليه باللغة الصينية، يمثل أحد أكبر الإنجازات التكنولوجية التي حققتها هواوي، ويعد ورقة الشركة الرابحة في سوق أنظمة التشغيل. من خلال هذا النظام، سعت هواوي إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي برمجياً لتشغيل مجموعة متنوعة من الأجهزة الذكية، بداية من المستشعرات والمكونات الدقيقة، مروراً بـ الهواتف الذكية و الساعات الذكية، وصولاً إلى السيارات الكهربائية، التلفزيونات، و النظارات الذكية.
وقد قدمت هواوي HarmonyOS كبديل كامل لأنظمة التشغيل العالمية الكبرى مثل أندرويد و iOS، بعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوباتها على الشركة، مما جعل من الضروري عليها تطوير نظام تشغيل مستقل. هارموني أو إس هو نظام مبني على البرمجيات المفتوحة المصدر، ويستفيد من الذكاء الاصطناعي في توفير تجربة سلسة بين مختلف الأجهزة.
وفي مؤتمر المطورين HDC 2023، أعلنت هواوي أن عدد الأجهزة التي تعمل بنظام HarmonyOS قد تجاوز 900 مليون جهاز، وهو إنجاز كبير يؤكد مدى انتشار النظام في مختلف الأجهزة والتطبيقات. تشمل هذه الأجهزة الهواتف، الساعات الذكية، الحواسيب الشخصية، وكذلك السيارات الذكية، وقد سهل النظام التكامل بين هذه الأجهزة مما يعزز التفاعل السلس بين كافة المنتجات المتصلة.
ومن خلال هذا النظام، تسعى هواوي إلى تقديم بيئة موحدة تدير جميع أجهزتها الذكية بطريقة مبتكرة وفعّالة، مما يجعلها رائدة في هذا المجال، خاصة في ضوء التحديات التي واجهتها بعد الحظر الأميركي.
كيف يعمل نظام هواوي HarmonyOS؟
طوَّرت هواوي نظام تشغيلها استنادًا إلى ثلاثة معايير رئيسية. الأول يتعلق بتمكين التكامل بين أجهزة هواوي المختلفة ضمن طبقة نظام تشغيلها، حيث يمكن لهذه الأجهزة أن تتكامل معًا لتصبح جهازًا فائقًا، قادرًا على دمج إمكانيات الأجهزة المتعددة لتلبية احتياجات المستخدم بشكل فوري. كما يُتيح النظام مشاركة مكونات وإمكانات هذه الأجهزة فيما بينها، مما يمكن المستخدم من إنجاز مهامه بكفاءة عبر أي جهاز من أجهزته.
هواوي تخطط للعودة للمنافسة من خلال نظام التشغيل “هارموني” الخاص بها.. المزيد مع مذيع “الشرق” عبدالله السبع
للمزيد زوروا https://t.co/tk5IBjb20k#الشرق #الشرق_للأخبار pic.twitter.com/vLrBbbzgwF— NOW الشرق (@AsharqNOW) July 20, 2024
المعيار الثاني يرتكز على توفير بيئة غنية للمستخدمين من خلال بيئة برمجية سلسة تسهل على المطورين كتابة أكواد تطبيقاتهم مرة واحدة فقط، مما يتيح لها العمل على جميع أجهزة هواوي. هذا يساهم في توفير تجربة متناسقة للتطبيق نفسه عبر مختلف الأجهزة.
أما المعيار الثالث في تطوير نظام تشغيل HarmonyOS فيعتمد على تشغيل النظام حسب الطلب للأجهزة ذات القدرات المتنوعة. بفضل تصميمه المعتمد على المكونات، يستطيع HarmonyOS التكيف مع أنواع الأجهزة المختلفة وفقًا لقدرته على إدارة الموارد وخصائص الخدمات.
ولسرعة طرح نظام تشغيلها الخاص في السوق، اعتمدت هواوي في البداية على الكود المصدري المفتوح لنظام أندرويد ونواة لينكس، مما سهل جذب مستخدمي أندرويد إلى هواتفها الجديدة بنظام HarmonyOS. كان بإمكان مستخدمي هواتف هواوي بنظام HarmonyOS تثبيت تطبيقات أندرويد المفضلة لديهم بسهولة عبر تثبيت ملف بصيغة Apk، وهي صيغة ملفات التطبيقات الخاصة بنظام أندرويد.
مع وصول الإصدار الجديد من نظام تشغيل هواوي HarmonyOS NEXT، والمقرر أن يتم إطلاقه رسميًا في أكتوبر، تستعد الشركة الصينية لإحداث تغيير جذري في تجربة مستخدميها. حيث لن يتمكن المستخدمون من تثبيت ملفات apk الخاصة بالتطبيقات المتوفرة على الإنترنت، وسيقتصر الوصول إلى التطبيقات على متجر هواوي الرسمي فقط، مما يعكس تحولًا كبيرًا في معمارية بناء نظام التشغيل.
تعتمد معمارية النظام الجديد على نواة برمجية محسّنة، أكثر فاعلية بثلاث مرات من نواة لينكس، وهي مؤمنة بالكامل وتتيح استخدام HarmonyOS NEXT على أجهزة وتطبيقات تتطلب مستويات عالية من الحماية، مثل المزايا والتطبيقات في مراكز البيانات، والسيارات الذكية، وغيرها.
وقد تمكنت الشركة من تحقيق تقدم تقني كبير خلال 10 سنوات، في حين أن الشركات الأوروبية والأميركية استغرقت نحو 30 عامًا لتحقيق نفس التطور، حسب تصريحات “يو” في يونيو الماضي.
مزايا نظام HarmonyOS NEXT
تحاول هواوي تقديم تجربة فريدة لمستخدمي أجهزتها من خلال نظام تشغيلها الجديد HarmonyOS NEXT، بهدف منافسة ما تقدمه شركة أبل عبر أجهزتها الذكية.
مع النظام الجديد، ستوفر هواوي تجربة استمرارية الاستخدام (Continuation)، حيث يمكن للمستخدم بمجرد تقريب جهازين هواوي من بعضهما، أن تظهر على شاشة الجهاز الآخر رسالة يمكنه الضغط عليها لمتابعة تجربته على الجهاز الجديد. يمكن أن يكون الجهازان من الهواتف، الأجهزة اللوحية، الحواسيب، أو حتى السيارات الذكية، بشرط أن يكون كلا الجهازين من هواوي ويعملان بنظام تشغيلها الجديد للاستفادة من هذه الميزة.
تتوفر حالياً هذه الميزة عبر بعض التطبيقات مثل Amap وDingTalk وWPS، حيث يمكن على سبيل المثال نسخ الصور أو النصوص بين جهازين بسرعة وبدون عناء بمجرد اقترابهما.
وقد ركَّزت هواوي في نظامها الجديد على مواكبة تطور سوق الذكاء الاصطناعي من خلال تقديم حزمة تطبيقاتها وخدماتها الذكية Huawei Intelligence، في منافسة مباشرة مع نظام الذكاء الاصطناعي الشخصي من أبل، Apple Intelligence.
من بين المزايا الجديدة التي يقدمها النظام، خدمة AIGC التي تتيح للمستخدم تحرير الصور بسهولة، مثل حذف العناصر غير المرغوب فيها، وإنشاء صور مرسومة باليد بأسلوب الجرافيتي، بالإضافة إلى تكبير الصور عبر إضافة تفاصيل جديدة إليها.
تستخدم هواوي الذكاء الاصطناعي أيضًا لتقديم خدمة Celia Voice، التي تمكّن الأشخاص الذين يعانون من مشكلات في النطق من التواصل بسهولة أكبر، عبر استخدام مساعد هواوي “سيليا” لتحسين وضوح صوتهم. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمستخدمين تحويل الحديث المنطوق إلى نصوص مكتوبة، مما يسهل التواصل بشكل أكبر.
كما حاولت الشركة دعم الأشخاص الذين يعانون من ضعف البصر أو فاقدي البصر بشكل كامل من خلال خدمة Celia Sees the World. هذه الخدمة توفر وصفًا دقيقًا للصور المعروضة على شاشة الهاتف أو ما تراه كاميرا الهاتف، مما يساعد في مواقف متعددة، مثل معرفة محتويات الثلاجة وأماكنها، وحتى التعرف على درجة نضارتها.
زوَّدت هواوي مساعدها الذكي “سيليا” بالقدرة على تنفيذ المهام داخل تطبيقات الطرف الثالث المثبتة على هواتف المستخدمين. تشمل هذه المهام الترجمة الفورية، والملء التلقائي الذكي لحقول النصوص، والتقاط الوجوه، والتعرف على المحتوى النصي للبطاقات، والالتقاط الفوري للنصوص، بالإضافة إلى تسهيل التفاعل معها باستخدام الكاميرا على أي سطح حول المستخدم.
كما قامت الشركة بتحديث مساعدها الذكي بشكل ضخم، حيث نقلته من كونه مساعد صوتي تقليدي إلى عميل ذكي مبني بالكامل على نموذج الذكاء الاصطناعي Pangu 5.0 LLM. وبفضل هذا التحديث، أصبح المساعد قادرًا على إنجاز مهام معقدة تتطلب المرور بعدة خطوات واتخاذ قرارات، كل ذلك نيابة عن المستخدم.
وقد قدمت هواوي عدة إصدارات من نموذج الذكاء الاصطناعي Pangu 5.0 LLM، حيث يتضمن الإصدار الأول نسخة خفيفة مخصصة للهواتف الذكية، بينما يحتوي الإصدار الثاني على 90 مليار متغير، والإصدار الثالث يضم 230 مليار متغير موجه لقطاع الأعمال. أما الإصدار الرابع والأخير فهو يتضمن تريليون متغير.
النظام الجديد لن يقتصر على الهواتف فقط، بل سيمتد أيضًا إلى حواسيب هواوي. حيث كشفت بعض الصور على موقع الشركة عن مزايا جديدة سيقدمها النظام لحواسيبها، مثل شريط مشابه لنظام ماك وعدد من الأدوات التفاعلية.
بشكل عام، تتميز الواجهات بتصميم بسيط، حيث يظهر شريط الحالة في الزاوية العليا اليمنى مع المعلومات الأساسية مثل الوقت، مستوى البطارية، الاتصال بالشبكة، مستوى الصوت، وطريقة الإدخال باستخدام الماوس أو لوحة المفاتيح. كما تم تصميم الأيقونات بحيث تكون متباعدة لتحسين قراءة النصوص المعروضة عليها.
ويعرض الشريط أسفل منتصف الشاشة مجموعة من التطبيقات التي يعتمد عليها المستخدم بشكل يومي، إلى جانب تطبيقات النظام الرئيسية. هذا يشير إلى تجربة مستخدم أبسط وأكثر سهولة مقارنة بنظام Windows.
HarmonyOS NEXT.. نظام عالمي
تسعى هواوي إلى تقديم نظام تشغيلها HarmonyOS NEXT للمنافسة على الساحة العالمية، بعد أن نجحت في استعادة قوتها داخل السوق الصيني. حيث وصلت حصتها السوقية في الصين إلى 15% في يوليو الماضي، مع ارتفاع مبيعات هواتفها بنسبة 41% لتصل إلى 10.4 مليون وحدة خلال الربع الثاني من العام الحالي مقارنة بالعام السابق، وفقًا لتقرير من مؤسسة “كاناليس” الإحصائية.
وقد أشار مسؤولو هواوي إلى أن الشركة تهدف إلى توسيع نطاق نظام تشغيلها ليشمل الأجهزة الذكية على مستوى العالم، بمجرد أن تكون مستعدة لذلك، وهو ما تم الإعلان عنه خلال قمة هواوي للمحللين في أبريل الماضي.
تسعى هواوي إلى تقديم نظام تشغيلها HarmonyOS NEXT للمنافسة على الساحة العالمية، بعد أن نجحت في استعادة قوتها داخل السوق الصيني. حيث وصلت حصتها السوقية في الصين إلى 15% في يوليو الماضي، مع ارتفاع مبيعات هواتفها بنسبة 41% لتصل إلى 10.4 مليون وحدة خلال الربع الثاني من العام الحالي مقارنة بالعام السابق، وفقًا لتقرير من مؤسسة “كاناليس” الإحصائية.
وقد أشار مسؤولو هواوي إلى أن الشركة تهدف إلى توسيع نطاق نظام تشغيلها ليشمل الأجهزة الذكية على مستوى العالم، بمجرد أن تكون مستعدة لذلك، وهو ما تم الإعلان عنه خلال قمة هواوي للمحللين في أبريل الماضي.
هواوي تنهي عصر حواسيبها العاملة بنظام Windows
أعلنت شركة هواوي أن أجهزة الحاسوب التي تنتجها حاليًا ستكون آخر الأجهزة التي تعمل بنظام تشغيل Windows التابع لشركة مايكروسوفت. الأجهزة المقرر إنتاجها مستقبلاً ستعمل بنظام التشغيل الخاص بالشركة HarmonyOS.
وفي مقابلة أجريت مع رئيس مجموعة الأعمال الاستهلاكية في الشركة، يو تشنج دونج، والتي نُشرت على شبكة ويبو الصينية يوم الجمعة، أوضح أن النسخة القادمة من نظام HarmonyOS تم تطويرها بالكامل من قبل الشركة. وأشار إلى أن النظام يتميز بنواة جديدة كليًا تم بناؤها دون الاعتماد على نظام Linux، كما أنها لن تكون قادرة على تشغيل تطبيقات Android.